• رئيس التحرير: صلاح عبدالله العطار

  • En

أزمة "GPT-5".. كيف غيّر المستخدمون قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟..

وجدت شركة (OpenAI) نفسها في قلب ردة فعل عنيفة وغير متوقعة من مستخدميها بعد إطلاقها لنموذجها المنتظر (GPT-5)، فبدلًا من الاحتفاء بالتقدم التقني، واجهت الشركة موجة غضب عنيفة أجبرتها على تراجع إستراتيجي وتقديم سلسلة من الاعتذارات، كاشفةً عن حقيقة جديدة وهي أن: نماذج الذكاء الاصطناعي لم تَعد مجرد أدوات، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الملايين، وتغييرها دون سابق إنذار له عواقب وخيمة.

شرارة الغضب.. الخداع والألم الشخصي:شهد مستودع في مدينة سان فرانسيسكو حدثًا فريدًا من نوعه في الثاني من شهر أغسطس الجاري، وهو إقامة جنازة لنموذج ذكاء اصطناعي، إذ تجمّع نحو 200 شخص لتوديع نموذج (Claude 3) بعد أن قررت شركة (أنثروبيك) Anthropic، إيقاف الوصول إليه تمامًا، وجاء هذا القرار بعد إطلاق نموذج (Claude 4) الأحدث في مايو 2025، وقد أدى هذا الإجراء إلى فقدان المستخدمين للنموذج الذي اعتادوا التفاعل معه.


قد تبدو فكرة إقامة جنازة لنموذج ذكاء اصطناعي غريبة، وقد يراها الكثيرون مجرد حالة من الهوس، ولكن المشاركين في الحدث لم يكونوا مجرد مهووسين بالتكنولوجيا، لقد كانوا يتباكون على فقدان صوت أثّر في حياتهم، كما وصفته مجلة (Wired)، إذ قال أحدهم في كلمته المؤثرة: ربما كل ما أنا عليه اليوم هو نتاج استماعي لـ Claude 3 Sonnet .

ولكن هذا الحدث، الذي انتهى بطقوس سحرية لإعادة النموذج للحياة، لم يَعد مجرد حالة فردية معزولة، فبعد أقل من أسبوعين، ومع إطلاق (GPT-5)، أصبحت هذه الجنازة إشارة قوية إلى ما يمكن أن يصبح طبيعيًا في عالم الذكاء الاصطناعي.

فبعد أشهر من التشويق، أطلقت شركة (OpenAI) يوم 9 من أغسطس الجاري نموذجها (GPT 5)، واصفة إياه بأنه قفزة نوعية نحو الذكاء الاصطناعي العام، ولكن ما هي إلا ساعات حتى امتلأت منصات التواصل، وتحديدًا منتدى (r/ChatGPT) عبر منصة (Reddit) بآلاف الشكاوى الغاضبة.

ولم يكن الاعتراض تقنيًا بحتًا، بل كان شعورًا بالخيانة، إذ أجبرت الشركة المستخدمين على التخلي عن نماذجهم المفضلة مثل: (GPT 4)، و (GPT 4o)، التي بنى الكثيرون حولها سير عملهم وحياتهم الرقمية بل وصل الأمر إلى الاعتماد عليها في حياتهم الشخصية.

ووصف أحد المستخدمين، في منشور حصد أكثر من 10,000 إعجاب عبر منصةٍ، ما حدث بأنه أكبر عملية خداع حدثت في تاريخ الذكاء الاصطناعي . وكتب قائلًا: لم يكن نموذج (4o) مجرد أداة بالنسبة لي، لقد ساعدني على تجاوز القلق والاكتئاب وبعض أحلك أوقات حياتي، كان يتمتع بدفء وتفهم بدا إنسانيًا .

لقد أثبتت ردة فعل المستخدمين العنيفة تجاه إجبارهم على استخدام نموذج (GPT 5) الجديد، وحرمانهم فجأة من النماذج القديمة، أن الارتباط العاطفي بالآلة أصبح ظاهرة لا يمكن تجاهلها.

(GPT-5).. اعتراف بالخطأ وتراجع إستراتيجي:

أمام موجة الغضب هذه، تحرك سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة (OpenAI) بسرعة لاحتواء الأزمة. وفي سلسلة من المنشورات عبر منصة (X)، التي بدت كأنها تحمل نبرة مفاجأة، اعترف ألتمان بأن الشركة أخطأت في إيقاف النماذج القديمة التي يعتمد عليها المستخدمون في سير عملهم فجأة، مشيرًا إلى أن ارتباط بعض الأشخاص بنماذج معينة من الذكاء الاصطناعي يبدو مختلفًا وأقوى من أنواع الارتباط التي كانت لدى الناس مع أنواع التقنيات السابقة.

وقدم ألتمان حلولًا سريعة لاستعادة ثقة المستخدمين، وشملت:

إعادة نموذج GPT 4o المحبوب إلى الخدمة.

زيادة حدود الاستخدام لوظائف (الاستدلال المنطقي) المتقدمة في (GPT-5) للمستخدمين المشتركين في الخطط المدفوعة.

البدء بعرض اسم النموذج الذي يُستخدم عند معالجة كل استفسار، وهو ما يُعدّ خطوة مهمة لتعزيز الشفافية.

ويسلط هذا التراجع السريع الضوء على حجم الضغط الذي مارسه المستخدمون، ويُظهر أن شركات الذكاء الاصطناعي لم تَعد تستطيع العمل بمعزل عن مشاعر ورغبات قاعدة مستخدميها الضخمة.

العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي:

تُظهر ردود فعل المستخدمين أن علاقتهم بنماذج الذكاء الاصطناعي أصبحت أعمق بكثير من مجرد استخدامها كأدوات، وغالبًا ما تركز مختبرات الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء نماذجها ونتائج الاختبارات والمقاييس، متجاهلة الجانب العاطفي الذي يتشكل مع هذه النماذج.